كتاب " لماذا نفعل ما نفعل" تأليف: إدوارد دسي
يذكر المؤلف بداية أن كثيرا من الناس يظنون أن الحافز الفعال هوالخارجي أي يقوم به صاحب مهارة لآخر فصاحب المهارة يحفز الآخر. ويذكر أنه وصديقه"راين" قاما بدراسات كثيرة اثبتت العكس. لقد أشارت دراساتهم إلى أن الحافزالداخلي والذاتي (وليس الحافز الخارجي) في قلب الابداع والمسؤولية والسلوك السويوالتغير المستمر أو الدائم. وذكر أن السؤال ليس كيف يحفز الناسُ الآخرين؟ بلالسؤال هو كيف نوجد الظروف التي تجعلالانسان يحفز نفسه؟
كثير منا شاهد الدلافين مثلا تقوم بأعمال مختلفة في حدائق الحيواناتوشاهد المدربين يُطعمون الدلافين كلما قامت بأعمال يصفق لها الجمهور. وهؤلاءالمدربون فعالون في عملهم واستخدام المكافآت للحصول على ما يريدون. والبعض قديقول: إذا نجح هذا مع الدلافين وغيرهم فسينجح مع أطفالي. والرسالة هي: كافئ السلوكالمطلوب واحتمال تكرار هذا السلوك كبير. أليس هذا ما يريده الوالدون والمربونوالمعلمون والمعلمات والإعلاميون والمسوقون؟؟ إلا أن الموضوع ليس بهذه البساطة،فبمجرد توقف المدربين عن إعطاء المكافآت للدلافين تتوقف الدلافين عن القيام بما كانتتقوم به. وما يريده المربون وغيرهم هو استمرار السلوك الذي تمت مكافأته حتى بعدتوقف المكافأة. فهل يحدث هذا؟
اشار المؤلف الى "هاري هارلو" الذي درس نوعا من القردة ومماقام به هو إعطاؤهم اعمال معينة بدون مكافأة ولاحظ انهم انخرطوا بشغف في القيامبذلك العمل بتركيز ومتعة وتصميم. ليه؟ المكافأة كانت العمل ذاته.
ان نشاط الطفل وحبه للاستطلاع مصدر مذهل للطاقة. وكل منا لاحظ الاطفالفي بيوتهم، يجد هذا الاستمتاع لديهم بالبحث وحب الاستطلاع والتجربة الخ. ولا شك انشيئا ما في هؤلاء الاطفال يدفعهم لمواجهة التحديات. وهذا الشيء هو الحافز الذاتي.عندما ترى طفلك قبل ان يحبو وبعد ذلك وعندما يمشي يسال ويبحث ويلمس ويتناولالأشياء ويضعها في فمه الخ فأنا على يقين أنك لم تعده بمكافأة إذا فعل هذا ولمتتوعده بعقوبة إذا لم يفعل. فالتعلم بالنسبة له موضوع رئيس وهو ما يقوم به إذا لميصرفه عنه الجوع او ما يطلبه الكبار كما يعبر المؤلف. والسؤال هو: لماذا يفقدونهذا الحافز لاحقا؟
هنا يأتي الحديث عن المدرسة السلوكية التي يتبعها الكثيرون بدون معرفةبها وهي ببساطة تقول: الناس اساسا سلبيون ويستجيبون فقط عندما تحثهم أو تغريهمالبيئة بفرص الحصول على مكافآت وتجنبالعقوبات كما يعبر "باري شوارتز". أي ان السلوكية لا ترى حافزا ذاتيالدى الانسان للتعلم مثلا إلا أن هذا يصطدم مع واقع الاطفال كما ذكرته سابقا. هلالذي يجذب طفلك في البيت للتعلم (ولا أقصد التعلم المدرسي كالواجبات) المكافآت؟ أمالذي يدفعهم حافز داخلي؟
إن طرح سؤال مثل: كيف أحفز الناس للتعلم خطأ. لأنه يقول بأن الحافزشيء يُفعل للناس لا شيء يفعله الناس.
ومن أروع ما ذكره المؤلف ما نقله عن معلم فن أمريكي هو" روبرتهنري". يقول: " هدف رسم لوحة ليس اللوحة ذاتها مع أن هذا يبدو غيرمنطقي. فاللوحة إذا استكملت هي انتاج جانبي وقد تكون مفيدة وذات قيمة ومثيرة وهيمُخرج ما قد حدث. الهدف، وهو خلف كل عمل فني، الحصول على حالة وجود، حالة عملعالية، أكثر من لحظة وجود." وهذا ما يسميه البعض الاستغراق في العمل وهو يشبهالخشوع في الصلاة مثلا حيث يتوقف الزمان ويغيب المكان ويكون الانسان في لحظات يصعبوصفها. وهذا تماما ما يحدث لأطفال قبل المدرسة. لا يتعلمون لتحقيق شيء مع أنهميحققون اشياء، ولكنهم يتعلمون بدافع ذاتي ويعيشون لحظات ممتعة يصعب وصفها. من الذييقضي على كل هذا؟ الوعد بالمكافأة في البيت والمدرسة وغيرهما للأسف ونحن نحسب اننانُحسن صنعا. تصور أن الطفل اصبح يُكافأ على أمور كان يقوم بها بلا اهتمام بمكافأةبل بحافز ذاتي ومتعة وشوق. لقد حطما حافزه الداخلي وأدخلناه مدارس تقوم على الوعدوالوعيد بنظامها الممل الرتيب الخالي من كل مشوق ثم اتخذنا عدم رغبة الطفل فيالدراسة والتمدرس دليلا على أنه لا يتعلم إلا بحافز خارجي. بل حتى هذا لم نثبتهلأن الواقع يكذبه. فبالرغم من كل أنواع العقوبات والوعود بمكافآت لا يزال الطلابيعيشون مللا ولا يؤدون ما نطلبه منهم ويهربون من المدرسة ويجدون الاعذار لعدمالذهاب إليها مع أن ما يقدم لهم في المدرسة تمدرسٌ وليس تعلما ولا تعليما.
ذكر المؤلف تجربة لطلاب. اعطُوا لعبة معينة يمكن تركيبها بأشكالمختلفة ووُعدوا بمكافأة وأعطوا مدة محددة للعمل ثم أعلن الباحث 8 دقائق استراحةوغادر الغرفة وكان الهدف أن يرى ما سيفعلونه في هذه الدقائق. أرداد أن يقيّمحافزهم الداخلي. والطريقة هي ما سيفعلونه في هذه الدقائق. فوجد أنهم انصرفوا عناللعبة في تلك الدقائق. فالمكافأة نقلت النشاط من نشاط ذي قيمة بذاته ومشوق بذاته إلىوسيلة للحصول على المكافأة وبالتالي ما يقوم به الطلاب بدون مكافأة اصبحوا (وقدوُعدوا بها) لا يقومون بها الآن بدافع ذاتي. النتيجة كما يقول:" عندما يُدفعللناس للقيام بعملٍ ما، يفقدون الاهتمام بالنشاط. ثم عندما تتوقف المكافأة، لاينجزون عملهم كما كانوا يفعلون". إن مفتاح الحافز الذاتي أو الداخلي هوالرغبة في أن يكون الشخص مصدرَ ما يقوم به لا بَيدقا أو لعبة يلعب بها الآخرون"كما يعبر" رتشارد دي تشارمز" في نظريته "السببية الذاتية". إنالناس، بتعبير المؤلف، يفقدون الصلة بذواتهم عندما يُسيطر عليهم بالمكافآتالمالية. كما أنهم يفقدون الإثارة والدهشة والحافز الذاتي الذي يملكه الأطفال طبعاقبل تدمير كل هذا على يد المعلمين والمربين للأسف في المدارس والبيوت.
خالد سيف الدين عاشور
24 ديسمبر 2011